دعوة من أتحاد أدباء الكورد في مؤتمره الخامس 1978 في بغداد..الحلقة: الخامسة بعد المائة بقلم وتصميم: زوزان صالح اليوسفي
كان هناك العديد من الكُتاب والأدباء من الذين يقومون بزيارة والدي يستلهمون من آرأئه ويتناقشون في الأمورالسياسية والأدبية والثقافية وبما يتعلق بالأدباء وبالثقافة الكوردية ومكتبتها، ويستشيرون والدي في مؤلفاتهم ويكتسبون من أفكاره وآرائه حول ذلك، منهم المناضل عزيز عقراوي الذي قام بتأليف كتابه الفريد وهو عِبارة عن قاموس مصور وبالألوان باللغة الكوردية والعربية عن جميع المصطلحات الطبية، وكذلك الكاتب المرموق صلاح سعد الله الذي كان يداوم على زيارات مستمرة لوالدي يستشيرهُ حول مؤلفاته وأحياناً كانت ترافقه السيدة حرمه الأميرة سينم خان أبنة الأمير جلادت بدرخان فكان يجري بينهم النقاشات الأدبية والتاريخية، وكان والدي يقدر السيدة سينم خان ويحمل لوالدها أشد التقدير، وحتى بعد رحيل والدي ومغادرتنا إلى زاخو كانت السيدة سينم خان تزورنا من خلال زيارتها إلى زاخو.
كما كان الكاتب والمؤرخ المعروف صادق بهاء الدين آميدي (رحمه الله) على زيارات مستمرة لوالدي يتداولان في الشؤون السياسية والأدبية والثقافية، كان يأتي أحياناً مع عائلته حيث تربطنا صداقة عائلية، أو كان بصحبتة عدد من الشخصيات الأدبية والثقافية، وكان قد بعث لي قبل فترة أبنه السيد ريبر صادق بهاءالدين بهذه الرسالة الكريمة من خلال تعقيبه على منشوراتي السابقة:
الأخت العزيزة والغالية زوزان:(( لي تعليق بسيط على قولك وأرجو أن تتقبليه بصدر رحب.. أليس من الواجب الوطني والقومي والإنساني وحق الأجيال القادمة أن نذكر الحقائق والتفاصيل ولا نجمل التاريخ كما عودونا في كثير من كتب التاريخ وخاصة المدرسية منها عن التاريخ الإسلامي وتجميل الأحوال السائدة وخاصة السلطة الحاكمة والخلفاء المستبدين..؟ وأنا بنفسي سمعت الكثير الكثير من الشهيد صالح اليوسفي بعد عودتكم إلى بغداد عند زيارتي وبصحبة والدي المرحوم صادق بهاءالدين وخاصة في إحدى الجلسات التي حضر فيها الدكتور مكرم الطالباني والتي كانت تربطهم صداقة قديمة (الثلاثة) وأسسوا سوية جمعية الثقافة الكردية والتي كانت تصدر مجلة شمس كردستان، وقد بدأ الحديث بالعتب على الدكتور مكرم الطالباني الذي كتب في إحدى المقالات الافتتاحية للمجلة أعلاه عنوان (أشداء على الكفار..رحماء بينهم) ولا أريد هنا أن أخوض في التفاصيل ولكن سيتم ذلك في مبحث آخر.. تقبلي كل الود والإحترام والتقدير))
أخي الفاضل أستاذ ريبر شكراً على رسالتك الكريمة التي ما زلت أحتفظ بها نظراً لأهمية إشاراتك لبعض المواضيع.. بالنسبة لسؤالك حول المقتطف الأول.. أعتقد أنني لم أقصر مدى الإمكان عن قول كل شاردة وواردة أعلم بها خلال تلك الفترة كشاهدة عيان وليس من طبعي أن أجمل أو أجامل في أي موضوع وأعتقد لا يغيب ذلك عن قرائي أيضاً ومدى علمهم بصراحتي في أي موضوع أو أي حدث يذكر.. ولكنني أشرت عدة مرات وبحكم عمري حينها وأنا في مرحلتي المتوسطة والثانوية لم يكن لديّ حينها ذلك الحس والإدراك الفكري الناضج لكي أطلع أو أفهم على كل الأحداث أو أتعمق فيها وأنا في تلك المرحلة من العمر، رغم شغفي بمعرفة ما يجري إلا أنهُ كان محذوراً عليّ أن أسأل أو أسمع نظراً لحرص والدتي على أبتعادنا عن الأجواء السياسية وما يخص نضال والدي، ولكن كنت أسترق السمع بمحض الصدفة بما كان يجري من بعض السرد أو الحوار ما بين والديّ، ولكن حبذا أخي الفاضل ريبر لو كنت تفيدنا ببعض من تلك المعلومات والحوارات القيمة التي كانت تجري بين والدي ووالدكم والزوار في تلك المرحلة كما أشرتم، كما أفادوني العديد من الأخوة الأعزاء الذين كانوا مثلك يحضرون مجالس والدي سواء برفقة أبائهم أو من خلال زيارتهم الشخصية، وسنكون أنا ومتابعيّ ممتنين لك.. فحبذا لو كنت تذكر لنا عن تلك الحوارات السياسية المهمة ما بين والدي ووالدكم والأستاذ مكرم الطالباني (أدامه الله).
كما كان يزور والدي كل من السادة د. كمال مظهر ود.عزالدين مصطفى رسول ومحمد البدري ومحمد ملا عبد الكريم وعباس البدري وسبق وأن أشرت إلى شهادات السادة محمد البدري ومحمد ملا عبد الكريم وعباس البدري في الحلقات السابقة، كما كان يزور والدي الأستاذ مصطفى صالح كريم وهنا أود أيضاً أن أضيف آخر رسالة أستلمتها من أستاذنا العزيز مصطفى صالح كريم (رحمه الله) هذا نصها: (( إلى إبنة الأخ العزيزة الست زوزان أجمل التحيات وأطيب التمنيات..
ما يخص علاقتي بأستاذي الشهيد اليوسفي بأنه كان يحبني كثيراً وكان يحترم آرائي ويقدر نشاطي كنت كالداينامو في إتحاد الأدباء الكرد وفي جمعية الثقافة الكردية وكان والدكم (رحمه الله) رئيساً لكلتا الجمعيتين، وحين صعدنا إلى الجبل عام 1974(بالمناسبة لم أكن عضواً في الحزب الديمقراطي الكردستاني) ولكني كمواطن كردي وكصاحب قلم لم أشأ البقاء تحت حكم النظام، وهناك بالنظر لعلاقتي بالشهيد دارا توفيق عينت مديراً للإذاعة وأسبوعياً كنت أزور الشهيد اليوسفي في مقره الرسمي في (بابكر آوا) وبالمناسبة جاءنا أحد أخوتك فترة إلى الإذاعة ليعمل عندنا كان شاباً متواضعاً جداً، ولم يكن يحب التباهي بمركز أبيه، كان دمث الخلق، ولكنه لم يبق عندنا طويلاً(يقصد أخي شيرزاد). وبعد إنتكاسة ثورة أيلول عام 1975 صدر قرار بتنزيل درجتي من مشرف تربوي إلى معلم وتم إبعادي إلى الفلوجة وثم الرمادي.. ولما كان بيتكم واقعاً على طريق عودتي من الرمادي، فكلما سنحت لي الفرصة كنت أزور الوالد ونجلس في الثيّل الأخضر ونشرب الشاي ثم أستمع إلى آرائه وبدوري أزوده بما كنت أعرفه من الأخبار…وحين ألقى القبض على الوالد تحركنا نحن الأدباء بحملة لإطلاق سراحه، وذات مرة قال لي بالحرف الواحد من وجهة نظره سيكون (على العسكري) موضع الأمل والبقية معروفة، آنذاك لم أكن أعرفها.. وبعد إنتفاضة آذار كنت أول من شارك مع السيد حازم اليوسفي بتقديم حلقات خاصة عن الشهيد من على شاشة التلفزيون وليس هذا منّة بل هو جزء من واجبي، بالمناسبة.. وأخيراً وليس آخراً آمل أن تعرفي بأن رسالتي كانت للتوضيح وأشكرك على حسن ظنك ودامت أسرتك بخير والمجد والخلود للشهيد المناضل الكاتب، الشاعر، الصحفي، الإنسان بكل معنى الكلمة الأستاذ صالح اليوسفي ذلك الرجل المتواضع الذي ستظل ذكراه حية في قلوبنا..)) مصطفى صالح كريم.
ومن المواظبين أيضاً على زياراتنا كان الشاعر صبري بوتاني الذي كان يزور والدي ويطلعهُ على قصائده ويتحاوران في الأمور الأدبية والسياسية، وكذلك عالم الدين ملا حمدي عبدالمجيد اسماعيل وقد ألف حينها كتاباً عن الحِكَم والأمثال الكوردية فكان يستلهم من والدي من خلالها، وأعتذر من الأساتذة الآخرين حيث للأسف لا أعرف أسماء البعض منهم.. أما على المستوى التنظيمي لأتحاد الأدباء الكورد فقد أصبح صورياً ومشلولاً منذ أندلاع ثورة 1974 وأزداد الوضع بعد نكسة 1975 نظراً لغياب الكلمة الحرة والجريئة التي كان يكتبها أعضاءه وأن معظم الأدباء الكورد الذين عادوا تم نفيهم إلى محافظات الوسط والجنوب، وهذا الشيء كان يؤلم والدي ويُشعرهُ بمدى الظلم الذي لحق بالثقافة والأدباء الكورد، خاصة وأن والدي ومنذ توليه رئاسة جمعية الثقافة الكوردية ورئاسة أتحاد الأدباء الكورد لأربع سنوات متتالية جعل أتحاد الأدباء الكورد وجمعية الثقافة الكوردية يبدعان بعطائهما المميز من الناحية الثقافية والأدبية وحتى الفنية، فأخذ والدي ينتقد ما آل إليه مصير الأدباء الكورد من نفي وترحيل لأعضائه وكان يجابه الحكومة على هذا القرار الجائر بأستمرار وبشكل علني.
أرسلت اللجنة التحضيرية لمؤتمر أتحاد الأدباء الكورد دعوة لوالدي (باللغة الكوردية) لحضور مؤتمرها، وبعد أستلام والدي الدعوة، رفض حضور المؤتمر وأرسل رسالة موجهة إلى الأتحاد، جاء فيها:
اللجنة التحضرية لتهيأة إنعقاد المؤتمر الخامس لأتحاد أدباء الأكراد المحترمة
تحية طيبة..
أستلمت كتابكم المؤرخ 5 آب/ أغسطس 1978 في هذا اليوم المصادف 29 آب/ أغسطس 1978
رغم إدراكي بأهمية وضرورة الأسراع في إحياء إتحاد أدباء الأكراد للقيام بمسؤولياته التأريخية الأدبية لشعبنا الكوردي بشكل خاص ولشقيقه الشعب العربي والأقليات المتآخية في عراقنا العزيز والبشرية التقدمية بشكل عام.. غير إني أعتقد إن الظروف والأوضاع الحالية التي تمر بشعبنا بصورة حقيقية لا تتوفر فيها الشروط والإمكانيات المتاحة لإنعقاد مؤتمر طبيعي ينبثق منه أختيار مسؤولية شرعية تجسد الأرادة الحقيقية للأتحاد كما ينبغي، سيما ولا يزال بعض الأخوة من الأعضاء البارزين الأصليين وغيرهم قد أُبعدوا من أماكنهم الأصلية إلى المناطق الجنوبية ولا يزالون هناك ومنذ أكثر ثلاث سنوات خلافاً حتى لمضمون بيان العفو العام، الأمر الذي أرى من المصلحة تأجيل إنعقاد المؤتمر ريثما تتوفر الظروف والشروط الطبيعية لإنعقاده، وقد أحجمتُ من الحضور والإسهام لهذا السبب.. مع تحياتي وتقديري لكل مَن يقدم بأمانة وصدق وإخلاص لإداء مسؤوليته التأريخية الأدبية ودمتم..
المخلص
صالح اليوسفي
هكذا عبر والدي بكل جرأة من خلال رده على دعوة أتحاد الأدباء، وهو يعلم جيداً إن ردهُ هذا سوف يصل بشكل أو بآخر إلى الجهات العليا في الحكومة العراقية، وفي الحقيقة لم يكن سوى صالح اليوسفي الذي يستطيع أن يكتب مثل هذا الرد في ظل ذلك النظام، فهكذا كان والدي عندما لم يقتنع بشيء، فأن أعتى نظام حكم لا يستطيع أن يردعهُ أو يغير من رأيه.
ومن خلال تعليق الأستاذ قيس قره داغي عبر عن رأيه:(( أن رسالة الشهيد اليوسفي الجوابية إلى أتحاد الأدباء لوحدها كافية أن يفكر العدو بتصفيته حسب مفهوم البعث.. فأتحاد الأدباء بعد النكسة كان مكتضاً بعيون وجواسيس الأمن والأسماء معروفة لدى الجميع.. من المؤكد أن النسخة الأصلية من تلك الرسالة قد أرسلت إلى الأمن العامة.. فتصوروا رجل مؤوسس للبارتي وعضو قيادي بارز في الثورة الكوردية يعود إلى بغداد بعد إنهيار الثورة ثم يؤوسس حركة كوردستانية فعالة جداً (الحركة الاشتراكية الكوردستانية ) ويقابل مندوبي الثورة في عقر داره ويقول رأيه بكل جرأة وصراحة ويكتب مثل هذه الرسالة مستنكراً أفعال السلطة فمن المؤكد كان المرحوم ينتظر حتفه شهيدا في طريق الكوردايتي له المجد والخلود..)).
كما عبر الأستاذ خسرو فارس:(( لم يكن رفض الشهيد الخالد الحضور في المؤتمر إلا لكونه كان يدرك جيدا بأنه مؤتمر كارتوني ولا يمثل حقيقة الطموحات لثقافة كوردية النابعة من الأدب والتراث والأرث الكوردي ويخدم الأدب الكوردي بشكل عام في كافة مجالات الحياة، لابد لقائد كوردي سياسي محنك أن يرفض المشاركة في مؤتمر يعقد في ظل سلطة شوفنية رفضت أدنى درجات الأقرار بحقوق الكورد..))… يتبع

Leave A Comment