حضور الإيزيديين في إقليم كوردستان/الدكتور جاسم ألياس
الإشارة إلى الخطوات المعتبرة التي تحققت بعد انتفاضة1991 في كوردستان في عملية تفعيل حقوق الإيزيديين الإدارية ، السياسية والتشريعية والتي حـُجبت عنهم لقرون طويلة جرّاء عوامل موضوعية بحتة . هذه الخطوات ، وللتذكير ، تتسلسل كالآتي : العضوية في البرلمان، رئاسة وحدات إدارية ، عضوية العشرات في حلقات قيادات الحزبين الوسطية : الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني دون أن يكون قد شارك غالبيتهم في صفوف الثورة الكردية أو في تنظيمات النضال السرّي ، تدريس مادة الدين الإيزيدي في المدارس الرسمية في مناطقهم ، زيارات القيادة الكوردستانية والمسئولين سنويا معبد لالش ولا سيما في عيدي أل" جما " وال" جلي " ومن ضمنها زيارة السيد مسعود البارزاني رئيس الإقليم في 1993، تغطية المراسيم هذه وغيرها إعلاميا ، برقيات التهنئة في الأعياد الدينية من رئاسة الحكومة والبرلمان وقيادة الحزبين ومؤخرا بعد سقوط النظام السابق من رئاسة الجمهورية ، وهو ما يرمز بوضوح إلى اهتمام معنوي لم يألفوه في العهود السابقة ، كما تبّوأ الإيزيديون ولأول مرة في تاريخهم المعاصر منذ تأسيس دولة العراق المعاصر،1921، موقع وزير في إدارتي أربيل والسليمانية في 1997 وفي حكومة الوحدة الوطنية الحالية موقعي وزير إقليم ، وهذا الموقع لا يقلل من محتواه كونه دون حقيبة وزارية على إعتبار أنّ الوزراء متساوون في الحقوق ، ومختلفون في الواجبات ، في متاح وزير دون وزارة تقديم الخدمات أيضا ، وهنا يذكر نموذج الشهيد الكبير صالح اليوسفي ، وزيرا للدولة في حكومة بغداد في غضون اتفاقية آذار ، 1970 – 1974 أنجز للمواطنين الكثير. وعلى صعيد الحكومة المركزية في بغداد ، استوزر أكاديمي ، الدكتور ممو عثمان ، في مجلس الوزراء الذي رأسه الدكتور أياد علاوي ، ونجم الإستيزار ذلك عن رعاية التحالف الكردستاني وباهتمام وتأكيد خاصين من لدن السيد مسعود البارزاني ، وعبر ذات الرعاية و الاهتمام أقرّ الدستور الدائم الدين الإيزيدي رسميا ، وينشط مثقف آخر ، المحامي عيدو بابا شيخ ، مستشارا للسيد رئيس الجمهورية ، وثالث مديرا عاما لشؤون أوقاف الإيزيديين في بغداد . وإضافة ً : تأسس مركز لالش الثقافي الاجتماعي، الحلم الذي راود المثقفين الإيزيديين منذ الستينيات من القرن المنصرم . ومن الجانب الآخر تحفل مناطق الإيزيديين في محافظة دهوك بالخدمات وبامتياز ، وأقف شاهد عيان على ما أنجز في هذا المجال ، فمن خلال عضويتي في مجلس الوزراء الثالث بصفة وزير إقليم، 1997-1999، وفي غضون جولاتي الميدانية في الإقليم ، زرت مناطق فيش خابور خانكي وشاريا ، مناطق الإيزيديين ، مقدما على ضوءها كتابا شاملا إلى رئاسة مجلس الوزراء تتضمن النواقص الرئيسة فيها في قطاعات الصحة ، التعليم ، الزراعة والكهرباء والماء وتعبيد الطرق ، مضيفا أليها أيضا برامج بنيوية أخرى ، لاقى الكتاب ومتابعتي له الدعم المطلق من رئيس مجلس الوزراء حينئذ الدكتور روز نوري شاويس ، ونائب رئيس المجلس السيد نيجيرفان بارزاني والسادة الزملاء الوزراء ، وجرّاء هذا الدعم أنجز ما يناهز ثلاثين مشروعا في غضون عامين في المناطق الآنفة الذكر توزعت ما بين مدارس ، مشاريع إسالة ماء ، مستوصف بيطري ، تشجير ، تعبيد طرق ، ونفذ المتبقي في السنين اللاحقة ، في حينها، طرحتُ أيضا مقترح دعم رجال الدين الأساسيين في معبد لالش ماديا ولقي الطرح قبولا فوريا من رئاسة مجلس الوزراء ليتطور لاحقا في المجلس الوزاري الرابع إلى رواتب شهرية للعشرات من رجال الدين في دهوك ، شيخان ، بعشيقة ، بحزاني وسنجار . وإلى ذلك شارك مجلس الوزراء رسميا في عيد أل" جما " وضمن وفد وزاري. وفي ذات الوقت جهدتُ في استقطاب العديد من الشباب إلى أكاديمية و سلك الشرطة وإلى مؤسسة الآسايش وبحرص خاص من السيد فاضل ميراني وزير الداخلية حينذاك و وكيل الوزارة اللواء وريا حتى غض النظر عن بعض الشروط في حالة تقديم خريجي الإعدادية إلى كلية الشرطة في اربيل ، غير إن المسعى لم يلق استجابة لشحة الدخل الشهري حينها لذوي هذه المراتب ، بيد إن عددا منهم وبرعاية منا عين برتبة مفوض ونقيب وملازم ثان . بمحاذاة هذا ، قدمتُ كشفا مفصلا في 1999عن القرى الإيزيدية في محافظة دهوك التي هدّمها النظام السابق وبحثت ُ الموضوع مع السيد مأمون بريفكاني وزير الأعمار الأسبق ، وكشفا آخرا عن ترميم معبد لالش أثريا حيث أمضيت فيه عدّة أيام مع خبراء من مديرية آثار دهوك لإجراء المسوحات ، وكشفا ثالثا عن مزارين في باعذرة ، ونأمل أن تنجز حكومة الإقليم هذه المشاريع الحيوية بعد سنين من طرحها. وإلى ذلك، تابعنا بحرص مشاكل المواطنين المشروعة في غضون مراجعتهم لنا، ودعمنا المتعففين منهم ماديا. آسف إني تطرقت إلى عملي كوزير ، فما قدمناه هو من صميم الواجب ، هو ليس تمننا ولا مباهاة ، فمفردة الوزير على وزن صيغة المبالغة " فعيل " ، كما أرى ، مشتقة من الوزر، أي العبء الثقيل، فيكون معنى الوزير : صاحب العبء الثقيل ، عبء التفاني في خدمة المواطنين ، اضطررت على مضض للحديث عن هذا الموضوع لأرد على من يزعم حرمان مناطق الإيزيديين من الخدمات وقد اضطلعت شخصيا في المساهمة في إنجاز عشرات المشاريع فيها ، ولأدلل أيضا إني لم أكن وزيرا معطلا كما أملى بعضهم هذا النعت الجزاف إلى الوزراء الإيزيديين دون أن يجهد فكره عناء البحث عن الحقائق ، خدمتُ كل المواطنين في الإقليم وفي صيغ شتى ومن بينها إنجاز ستين مشروعا خدماتيا لهم ، زهاء ثلاثين منها كما ذكرت في مناطق الإيزيديين في دهوك ، ناهيك عن ايلاءنا اهتماما خاصا بتشجير المدن والقصبات والمجمعات ، هذه المشاريع شاخصة للعيان و موثقة في كتب رسمية أحتفظ بنسخ منها في أرشيفي الخاص ، وقد قيّم هذه النشاطات الدكتور روز نوري شاويس رئيس مجلس الوزراء حينها في أكثر من مناسبة ، نعم ، لم أكن وزيرا معطلا ، ولو كنت لقدمت استقالتي بعد أشهر، فالموقع لم أنظر إليه في لحظة ما إلا مخرجا لخدمة الناس وبالأخص الكادحين والفقراء منهم ، وليس طريقا إلى الامتيازات التي توفرها لي درجتي العلمية وعملي الإبداعي وقبلهما توحدي مع المثل والقيم الإنسانية التي غرسها فيّ أبوان فاضلان منذ نعومة أظفاري ، لو ارتضيت البقاء في الغرب أو في العالم العربي وقد توفرّت لي أكثر من فرصة للتدريس في جامعاتها، وبخاصة كوني نلت الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا ، لوس أنجلس ، إحدى الجامعات العشرة الأوائل في أميركا الشمالية ، لكنت الآن في درجة بروفيسور وبراتب يربو كثيرا ً على الراتب الذي كنت أتقاضاه كوزير ، إضافة ، موقع الأستاذ الجامعي لا يعلو عليه أي موقع آخر و إليه يلجأ الكثير من رؤساء الدول والوزراء بعد انتهاء عضويتهم في الهرم الإداري . إن بريق المرء الحقيقي يستمده المرء من داخله وليس من مفردات أخرى التي في حال زوالها يزول البريق التافه الذي يسعى إليه من يروون في الكرسي منفذا لللإستعلاء والإستقواء والجاه والثراء فيشيعون الفساد والخراب أينما حلوا،لا، لم نكن في هامش المجلس الوزاري ، خدمنا الجميع ، لا فرق في ذلك بين مسلم أو أيزيدي أو مسيحي أو كاكئي أو يهودي ، بين بارتي أو يكتي ، أو شيوعي أو من أي انتماء آخر ، الواقع إضافة إلى الإيزيديين كان يراجعنا مواطنون بتباين شرائحهم ، و لو رغبوا لراجعوا الوزارات ذات الصلة بمطالبهم بدل مراجعة وزير دون وزارة ، وفي هذا ما يفرح و ما يشير إلى غياب التطرف في وعي كوردستان الجمعي ، وفيه ما يدلـّل أن المسئول حين يخدم بحرص، و تفان يقيمه الشعب دون أن يفكر في كينونته الروحية أو الفكرية.
وإردافا ً ، لا يلغي فحوى تطوير البنى التحتية لمناطق الإيزيديين في محافظة دهوك ندرة أو غياب المشاريع في مناطق الشيخان ، بعشيقة وبحزاني وسنجار التي لا تزال تتبع إداريا محافظة نينوى ، كان في مقدور حكومة بغداد ، أن تبدأ عملية الأعمار فيها في السنين الخمسة الأخيرة وهو ما لم يتبلور مثلما لم يتبلور في مدن ، قصبات وريف العراق في الوسط والجنوب . رغم هذا أنجزالحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني عدة مشاريع خدماتية في الشيخان ، وهي دون شك لا ترقى إلى طموح المواطنين ولا تتناسب مع المدة الزمنية المنصرمة . إن انضمام هذه المناطق رسميا إلى إدارة كردستان بعد تطبيق المادة 140 يضع على عاتق حكومة الإقليم مسؤولية البدء فورا في تطوير بناها التحتية واجتثاث البطالة والفقر فيها . إن جبل سنجار يعاني بشكل مريع من الفقر ، وانحطاط البنى التحتية رغم أنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني خصص فيه رواتب لمئات الأسر المتعففة ، لكوادر ثورة أيلول ، لمئات من أعضاءه في المنطقة ، أكثر من ألف درجة وظيفية ، وبهذا أزاح غائلة الفقر عن مئات الأسر ، كما أنجز الإتحاد الوطني الكردستاني هو الآخر عدة مشاريع فيه . إن البؤس الطافح وانحطاط البنى التحتية في جبل سنجار وغيرها من المناطق إرث بغيض تركه النظام السابق الذي لثلاثة عقود لم يمد الأعمار والبناء إلى هذه المناطق و بقية أرجاء وادي الرافدين ، كان النظام منهمكا في حروبه في الداخل والخارج .
وإلى ذلك ، فإن الفعل الإرهابي في الشيخان في العام الماضي لا يلغي هو الأخر ما تحقق للإيزيديين من خطوات معتبرة في تكملة حقوق المواطنة ، ولا يقلل من أجواء التفاعل الإيجابي بينهم وبقية شرائح المجتمع الكردستاني ، التفاعل الذي عبّر عنه هروع المئات من الشباب من العمادية ودهوك وزاخو للتبرع بالدم لضحايا مجزرة تل عزير في جبل سنجار التي أقترفها الإرهابيون في العام المنصرم ، والتعاطف الذي لقوه من كوردستان قاطبة . إن مئات المعلمين والمدرسين الإيزيديين ، والعشرات منهم من الأطباء والطبيبات ، أساتذة الجامعة ، مدراء المدارس ، ضباط ومراتب في مؤسسات البيشمركة ، الآسايش ، الشرطة والمرور مشرفين تربويين ، موظفي خدمات مدنية ، وهي مواقع تبوئوها نتيجة جهودهم وكفاءاتهم الذاتية ، يخدمون المجتمع الكوردستاني يدا بيد مع أقرانهم الموظفين والعاملين في مؤسسات الحكومة . وتقيم في دهوك ، وزاخو عشرات الأسر الإيزيدية والعديد من أصحاب محلات تجارية وسحائب الود تظللهم مع الجيرة والأفراد ، ويهرع إلى السليمانية ، أربيل ، دهوك وزاخو مئات العمال قادمين من جبل سنجار بحثا عن أسباب العيش، ويُرّحب بهم كثيرا. دون شك، ثمة بؤر متطرفة تعيث في إشاعة ثقافة الكرة والرفض في الإقليم مثلما تعيث في كل المعمورة ، إنهم زوائد ضارة تتخبط في الماء الآسن في كل زمان ومكان وفي كل القارات ، هذه البؤر هي التي حرّكت هجوم المتطرفين على مركز قضاء الشيخان في شباط 2007 ، وما نجم عنه من قلق في أوساط الإيزيديين ، غير إن البارتي هرع إلى حمايتهم و دحر المهاجمين وألقى القبض على المخططين والمنفذين منهم . إن حكومة الإقليم والمؤسسات الحزبية تضيّق الخناق على المتطرفين دون كلل و سيـُضيّق عليهم الخناق أكثر عبر وضع برنامج تربوي معاصر، علمي في أطروحاته من قبل وزارة التربية في الإقليم لتدريسه في شتى مراحل التعليم، وبالتزامن مع برنامج تثقيفي من لدن الحزبين ، وحبّذا الإقتداء بتجربة ألمانيا في هذا المجال والإفادة من مناهجها التربوية الرصينة التي عممتها في مختلف مراحل الدراسة بعد سقوط النازية . كما أنه في متاح وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الإقليم المساهمة أيضا في هذا الجانب عبر الإيعاز إلى أئمة الجوامع الرسمية في تثقيف المصلين في خطب الجمعة بثقافة التعدد والتآزر بين الأديان ، وفي حثهم على النظر ألي المواطنين جميعا أخوة في الوطن و الإنسانية ، و في متاح هيئة علماء المسلمين في الإقليم كذلك المساهمة في إشاعة مثل هذه الثقافة ، على الأقل في إرسال برقيات التهنئة إلى الأقليات الدينية في أعيادهم الرئيسة وزيارتهم في مثل هذه المناسبات . إن الإيزيديين محظوظون حقا أن يدير مناطقهم الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة البارزاني التاريخية ، قيادة الفكر الحضاري التي ساوت بين اليهود و المسلمين في منطقة بارزان في غضون إدارتهم الذاتية لها في حقبة الحكم العثماني وبدايات القرن العشرين في الوقت الذي كانوا يضطهدون فيه في أجزاء عديدة من أوربا والعالم الإسلامي ، والقيادة التي أملت ذات المساواة إلى المسيحيين ، والقيادة التي تحرص على تركيبة التعدد والتنوع المتكافلين والمتآخيين ، وليس أدل على ذلك من تعبير السيد مسعود البارزاني عن اعتزازه بالإيزيدية في أكثر من مناسبة وبالأخص في مقولته الشهيرة" إن أي اعتداء على الكورد الإيزيديين هو اعتداء على الأمن القومي في كوردستان .."، ومحظوظون أيضا أن تتسم قيادة الإتحاد الوطني الكردستاني بذات النظرة الحضارية إلى فسيفساء النسيج الروحي .
استنتاجا ، تحققت خطوات معتبرة في تكملة حقوق مواطنة الإيزيديين في كوردستان على الصعيدين الإداري والسياسي وعلى صعيد بنى مناطقهم التحتية . غير إن ثمة حلقات أخرى يأمل الإيزيديون رؤيتها قريبا ، في مجال البنى التحتية ، تنتظر قراهم التي هدمها النظام السابق سواء في دهوك أو سنجار إعادة بناءها ، ومعبد لالش وخان أيزيد هما الآخران أيضا في انتظار ترميمهما أثريا. وهما من المواقع الموغلة زمنيا في كوردستان ، ومجمعات الشيخان في حاجة قصوى إلى تبليط طرقها الداخلية ، إلى إنشاء مستشفيات صحية متطورة فيها ، إلى مشاريع كهرباء وإسالة ماء ، متنزهات ، مكتبات عامة ، قاعات رياضة وروضات أطفال . أما جبل سنجار لا يقيم أوده إلا مشروع إستراتيجي في أعماره وبإشراف هيئة خبراء ترتبط مباشرة برئاسة مجلس وزراء الإقليم. أما في المجال الإداري ، فإن اقتصار وزير دون حقيبة على الإيزيديين يجب أن لا يصبح سياقا ، وإلا سيشعرون بالتهميش الإداري ، إن تنسيب حقيبة وزارية إليهم في الحكومة المقبلة في أربيل ضرورة ملحة. وكان من المتوقع أن يستوزر أيزيدي في حكومة بغداد الحالية ضمن قائمة التحالف الكوردستاني ، وهو ما لم يتبلور ، ومن الأهمية بمكان أخذ هذا الجانب في نظر الاعتبار مستقبلا . وإلى ذلك ، ثمة فراغ يخلو من الإيزيديين ، وينتظرون ملئها في مواقع : وكيل وزارة ، قاضي ، مدير عام ، مدير ، قيادات في مؤسسة البيش مركة ، وفي السلك الدبلوماسي وفي درجة سفير ، وفي تولي مسؤولية الفروع والمراكز الحزبية والمشاركة في قيادة الحزبين على مستوى اللجنة المركزية والمكتب السياسي ، والمزيد من رؤساء وحدات إدارية ، واستقطاب المئات في مؤسسات الشرطة والآسايش وحرس الحدود وفي مختلف
المراتب . لقد أدلى الإيزيديون في مناطقهم بأصواتهم للتحالف الكوردستاني في أنتخابات قوائم برلمان بغداد ، و لصالح الدستور الدائم الذي أقرّ بفيدرالية إقليم كوردستان ، ولولاهم لأخفق في محافظة نينوى بعد أن رفضته أغلبية بسيطة ، ولعادت الانتخابات إلى نقطة الصفر بعد أن رفضته محافظتان أخربتان بأغلبية مطلقة ، وفي هذا اضطلعوا بواجبهم القومي ، غير إن هذا الولاء الانتخابي يتطلب استحقاقات عملية على صعيد المشاركة في السلطة وتقديم المزيد من الخدمات إلى مناطقهم . إن مساهمة الإيزيديين في فاعلية أكثر في الحكومة ، في البرلمان ، والمؤسسات الحزبية ومشاركتهم في السلطة القضائية منوط بالتحالف الكردستاني و بالأخص الحزب الديمقراطي الكردستاني ، كونه يدير مناطقهم ويستقطب ولاء غالبيتهم . ومن الواضح لا يمكن أن تتم مثل هذه المشاركة بالاستناد فقط إلى عامل قدرات الإيزيديين الذاتية من كفاءة وتفرعات أخرى ، فالإضطهاد التاريخي الطويل الذي لاحقهم منع أكثريتهم من فرص تنمية ملكاتهم الفكرية والعلمية و تطوير مفردات القيادة ، ناهيك عن حجب حقوق المواطنة عنهم ولقرون ، إن أية أقلية دينية أو أثنية لن تتمكن من الصعود ذاتيا ،لأن الأغلبية تفوقها عددا وبالتالي تفوقها في الطاقات والكفاءات، لذا فلحاق الأقليات بالتطور يحصل عبر رعاية الأكثرية الحاكمة ، في أميركا مثلا يشدد البيت الأبيض ومنذ ثلاثة عقود أن تشارك فيه رموز من الأقليات الأثنية والدينية ، إن قيادة كوندليزا رايس وقبلها كولن باول وزارة سيادية مرده الرئيس خصوصيتهما العرقية ، ووجود اليهود في مواقع القيادة مردّه خصوصيتهم الدينية ، إن قانون الحالة الإيجابية ( Affirmative Action ) والمعمول به في واشنطن منذ أربعة عقود يستثني الطلبة الأميركيين من الأقليات التي اضطهدت فيها من الأصول الأفريقية والسكان الأصليين وغيرهم من شروط معدلات القبول القصوى في الكليات المتميزة كالطب والحقوق وأكاديميات عديدة أخرى ، وبسبب هذا القانون ، على سبيل المثال لا الحصر ، تخرّج المئات من الأطباء الأفارقة وبرعوا في مهنهم ، إن أجواء الفقر والتمييز العنصري الذي ترعرعوا فيه سلبهم فرص التفوق المتوفرة لدى أقرانهم البيض الذين شبّوا في أجواء مغايرة تماما . وإلى ذلك، رغم كون الدانمركيين قليلو العدد في ألمانيا، بيد أنّ الأحزاب الألمانية حريصة على وجوب تمثيلهم في البرلمان المركزي. إن المطالبة بحضور أكثر فاعلية للإيزيديين في حكومة الإقليم والحكومة المركزية في بغداد ليس مناداة لعزلهم عن قوميتهم الكوردية ، هم كورد بلا ريب ، لكن ما لا قوه من ويلات ومآسي تقشعر لها الأبدان لألف عام ونيف ضمت العشرات من حملات الأنفال وبخاصة في الحقبة العثمانية ، جعلتهم يشعرون بقوة بخصوصيتهم التراثية التي ترسخت في خارطتهم النفسية والفكرية . إن غالبية الإيزيديين باستثناء نسبة قليلة جدا يشددون باتجاه الإيزدياتي دون أن يشير التشدد هذا إلى التزمت والتطرف ، غالبيتهم المطلقة تتعامل مع الآخر بكل انفتاح وأنسنة ، الإيزدياتي كينونة ثقافية صاغتها عبر القرون مكونات تاريخية ، فكرية ونفسية ، إن العرق ( القومية ) وفي أجواء حضور الانتماء التراثي بين أعضاءه لا يلغي الخصوصيات الدينية ، المذهبية والفكرية فيه ، وفي حالة التطرف يتقهقر اعتباره تماما لصالح الخصوصية المتطرِّفة ، في أوربا في القرون الوسطى أضطهد مسيحيون متطرفون مسيحيين من ذات القومية ، واضطهد مسلمون متطرّفون في العالم العربي والإسلامي عربا مسيحيين ويهودا في فترات تاريخية غابرة ، واضطهد كورد مسلمون متطرفون كوردا إيزيديين في فترات سابقة ، ولعل المثال البالغ السوء هو محمد كور أمير راوندوز الذي أباد منهم في 1832 مائة ألف ونيف زعما منه أنهم " كفار " ، إنه التطرّف يلغي عامل الانتماء القومي و الإنساني . إن ثورة أيلول، 1961-1975، بقيادة البارزاني الخالد حققت خطوات عملاقة في توحيد أبناء كوردستان ، في إحلال الولاء للأرض محل الولاءات الدينية والعشيرية ، ثورة أيلول أشركت الأقليات الدينية ومن ضمنهم الإيزيديين في العديد من مواقع القيادة ، وتابعت ثورة كولان ، 1976-1991، ذات النهج ، كان محمود يزيدي يقود فصائل الثوار في منطقة الشيخان في أواخر السبعينيات قبل استشهاده دون أن يفكر البيش مركة في هويته الدينية. وكان البيش مركة سلو خدر يقود لجنة محلية الشيخان وعقرة ، ومع ذلك يشير واقع الحال أنَ غالبية الكورد المسلمين والإيزيديين والكاكئيين و بقية الأقليات الدينية في الإقليم يشعرون ودون تطرّف بحضور نشط للهوية الدينية ، وليس عدلا مطالبة فريق لآخر التأكيد فقط باتجاه القومية دون أن يؤكد هو الآخر أيضا و فقط على هذا الاتجاه ، كما إن مثل هذه المطالبة لا تجدي ، فالأفكار تبقى وتلقي بظلالها على السلوك اليومي إلى أن تستبدل بمنظومة أخرى تفرز أنماط سلوك مغايرة . إن حضورالهوية الدينية مسألة طبيعية شريطة أن لا يتحول إلى تطرف بحجب الخير والعدل ويشيع البعد الأحادي الضيق ومعه إلغاء الآخر ، المهم القبول بالآخر كونه إنسانا أولا وأخيرا وكون سلوكه هو المحك في التقييم وبالتأكيد فإن الطموح هو أن يأتي اليوم الذي لا ينظر فيه أحدٌ إلى الآخر سواء ً في كوردستان أو في بقية العراق أو في الشرق الأوسط إلا من هذا المنظار، منظار أخوّة البشر في الأرض والإنسانية ، وأن الدين يبقى شأن المرء الخاص، به يثري عالمه الروحي، هذه الحالة تتبلور حين يشيع الوعي العلمي الذي يبعد النصوص الدينية في التحكم في أية ظاهرة سياسية وإدارية أو في صيرورة التفاعل الاجتماعي .
وأخيرا ما تحقق للإيزيديين في إقليم كوردستان مقارنة بأمسهم القريب والبعيد يعتبر تقدّما نوعيا دون أن ننسى الغير المنجز ، أقول تقدّما نوعيا مقارنة ً بين واقعهم قبل عقدين وبين الحاضر، الفارق كبير جدا وجدا ، متى توقع الإيزيديون أن يستوزر أحدهم ، أن يدخل خمسة منهم في برلماني أربيل وبغداد ، أن يكون بينهم مدراء تربية ، مستشار لرئيس الجمهورية ..، ورؤساء وحدات إدارية ، أن تدرس الإيزيدياتي في مدارسهم ، أن يثبت اسمهم في الدستور الدائم وأن ينقل الإعلام المرئي احتفالاتهم ومناسباتهم الدينية وو..؟! طبعا هذا من صميم تفعيل تكملة حقوق المواطنة المتكئة إلى محوري الحقوق والواجبات وفي حالة الأقليات التي اضطهدت تاريخيا إلى محور ثالث: التعويض عن الغبن التاريخي ، إذ لا يصح مطالبة شريحة من المواطنين بالواجبات فقط دون الحقوق، لا يصح أن لا تشارك شريحة اجتماعية في آليات السلطة وتهمل مناطقها لباعث الانتماء المغاير، في الوقت الذي يحملون فيه ذات الجنسية، يدفعون الضرائب ويخدمون العلم..؟! هذه الرؤية الحضارية مضافا إليها عامل الشراكة في القومية وتقييم عراقة الجذور و التعويض عن الغبن التاريخي الطويل هي التي جعلت قيادتي الحزبين الرئيسين تبادران إلى إشراك الإيزيديين ودون أي ضغط شعبي منهم في الحكومة والبرلمان وفي المؤسسات الحزبية ، أجل بادرت القيادتان وإلا ما هو النضال الذي خاضه الإيزيديون لتفعيل حقوقهم هذه المشروعة ، أين كانت كلمتهم الموحدة وصفهم الموحد للمطالبة بمثل هذا التفعيل ..؟! ، وماذا كانوا سيفعلون لو لم تبادر القيادتان..؟! ، يشعلون ثورة ، ينتفضون ، لا أظن ذلك ، ما أريد قوله هو ضرورة الشدّ على يد القيادة لمبادرتها في تفعيل تكملة مواطنة الإيزيديين في خطوات معتبرة في رحلة الألف ميل ، وفي ذات الوقت مطالبتها باستمرار بتفعيل الحلقات المتبقية . هذا ما تتطلبه الرؤية الموضوعية ، بدل رؤية ألكاس نصفا مملوءة وليست نصفا فارغة وهو ما يطغي على كتابات العديد من الأيزيديين ، وهم أحرار طبعا في التعبير عن آراءهم ، نؤكد باتجاه الإيجابي المنجز و نسعى إلى تحقيق الغير المنجز ، إن الكتابة الموضوعية لا بدّ أن تنظر إلى واقع الإيزيديين في الإقليم مثلما نظر إلى واقع كاتب هذه السطور البروفيسور جون . ج .كندي الذي أشرف على أطروحة الدكتوراه التي كتبها عن جانب من التراث الإيزيدي ،1993، كنت اكتب له أسبوعيا بحثا وجيزا عن موضوع أنثروبولجي ، كان يقرأ البحث ويعيده لي مذيلا بملاحظاته ، ملاحظة مثلا تقول: لغتك الانكليزية في تطور وكنت افهم من هذا أن أمامي مشوار لإتقان هذه اللغة ، أخرى ترى أن أنظر إلى الموضوع من رؤية معاصرة ، وكنت افهم انه يريدني أن أخرج من أطار الأنثروبولوجيا الكلاسيكية إلى المعاصرة وهلم جرّا ، بهذا النمط الموحي ، المشجع ، تمكنا من انجاز الدكتوراه ، و لو اتبع معي إنكار التقدم الحاصل في عملي ، لكان من المتعذر مواصلة الرحلة العلمية ، أتبع معي تقييم المنجز والتذكير بالمتبقي الغير المنجز ، هذه الحالة يفترض أن يمليها الكتاب الإيزيديون المنتقدون إلى القيادة السياسية في الإقليم ، يقولون لهم أنجزتم هذا وهذا ولا زلنا ننتظر تكملة بقية الحلقات ، إن القول إن كردستان غائبة إيزيديا تجاوز للحقائق ، يريد الإيزيديون رؤية الغير المنجز ، هذا حق مشروع ، لكن ليس عبر إنكار المتحقق ، عدم الإشادة به ، بل عبر المثابرة في إيصال أصواتهم وفي كلمة موحّدة إلى السيد رئيس الإقليم مسعود البارزاني ، وإلى قيادتي الحزبين .
Leave A Comment